الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

أخبار الأدب والثقافةأدب وثقافة › لويس عوض:مذكرات طالب حلم

صورة الخبر: د.لويس عوض
د.لويس عوض

منذ أن غادر قريته شارونة بصعيد المنيا للالتحاق بكلية الآداب جامعة القاهرة فى ثلاثينيات القرن الماضى وهو يحمل بين جوانحه حلم الذهاب إلى لندن لنيل شهادة الدكتوراه فى الأدب الإنجليزى من جامعة كمبريدج.

وكان له ما أراد, ففى نهايات الثلاثينيات شد الرحال إلى انجلترا عقب تخرجه فى قسم اللغة الإنجليزية فى بعثة لحصوله على درجة الامتياز فى وقت عصيب, فالحرب العالمية الثانية لم تضع أوزارها بعد, ولكن لابد من لندن حتى وإن كان السفر فى سفينة فى البحر المتوسط معرضة لغارات المحور فى أية لحظة..

فى عاصمة الضباب

سجل الدكتور لويس عوض وقائع سنوات رحلته فى إنجلترا بخط يده، وفقد المخطوط إلى أن فوجئ بأن كتابه مذكرات طالب بعثة منشور فى كتاب بالإسكندرية بعنوان «كنارى» وعلى نفقة أحد الصحفيين هناك قام بإرسال نسخة من هذا الكتاب إلى لويس عوض وآخرين، فانتاب لويس الغضب لأن عملا من أعماله، قد نشر بدون إذنه، وكيف يصل هذا الكتاب إلى يده بعد ضياع 20 عاما، لكنه لم يجد بدا من مقابلة هذا الصحفى لأخذ أصول الكتاب الذى يعد تجربة جديدة فى الحياة الأدبية والنقدية فقد كتبه بالعامية تأثرا بتوفيق الحكيم فى حوار روايته الرائدة «عودة الروح» التى كتبها فى باريس (1927) وبيرم التونسي فى كتابه السيد ومراته فى باريس وهذا الكتاب بالتحديد فتح أمام ناقدنا آفاقا جديدة فى تجارب اللغة من حيث السرد والوصف والتحليل كانـت «مذكرات طالب بعثة» ثمرتها المباشرة. وقد أتم لويس عوض كتابه عام 1942 وتم نشره فى الستينات, وحدث الشىء مع عمل رائد آخر كتب بالعامية وهو رواية الدكتور مصطفى مشرفة «قنطرة الذى كفر» الذى كتب هو الآخر فى الأربعينات ونشر فى الستينيات, ولا ندرى أيهما سبق الآخر, وأغلب الظن أن كلا منهما كتب عمله فى غفلة عن صاحبه. والكتاب يعد مصدرا مهما لمرحلة محورية فى حياة لويس عوض ولونا أدبيا سبقه إليه طه حسين فى«الأيام» وفى«أديب» وتوفيق الحكيم فى «عصفور من الشرق»، وقد حكى فيه عن مدى صرامة الدراسة فى كمبريدج وحرصها على التقاليد التى تلزم الطالب بالانضباط الشديد فيما يتعلق بارتداء الزى الرسمى للجامعة خارجها وداخلها وإنزال العقوبات على المخالفين مثلا. بل والأكثر غرابة أن الصورة السائدة لدى الإنجليز عن مصر وقتها تعود لنصوص التوراة : مجرد صحراء فى وسطها الأهرامات، وكان لويس عوض طالبا مجدا ينكب على المراجع بنهم و لكنه لم يحرم نفسه من متعة التعرف على المظاهر الحضارية فى بريطانيا

سارق النار

عاد ناقدنا الى مصر مدججا بأفكار تتعلق بضرورة العودة إلى الجذور سواء الفرعونية أو اليونانية القديمة وغيرها وتجلى هذا الاتجاه فى كتاب فن الشعر لهوراس ونصوص النقد الأدبى عند اليونان وترجمته لثلاثية مأساة أوريست لإسخيلوس، وعندما طلب منه الكاتب الفرنسى جان لاكوتير أن يعد فصلا عن الأدب المصرى ضمن كتاب «مصر بأقلام مختلفة» سارع وذهب إلى ريف الفيوم ليسجل المواويل من أفواه المنشدين, فسجل موال ناعسة وأيوب وترجمه إلى الفرنسية باعتباره حلقة من حلقات قصة إيزيس وأوزيريس فاسم إيزيس هو الصيغة الهلينية من الاسم أما الاسم المصرى القديم فهو عيزى.

أما أيوب وهو نسخة شعبية للمعذب للمبتلى فهو يختلف عن نبى التوراة, فهو أوزيريس الذى كابد الآلام, وكان يسمى فى مصر القديمة عوزير ومن مهامه الإلهية الخصب. وفى حين نجد ناعسة تتجول بجثمان أيوب من إقليم إلى إقليم بالمقابل نجد جثمان أوزيريس يبحر بمركب فى النيل، ومثلما كانت نساء مصر القديمة يقصصن شعورهن ويلطخن وجوهن بالنيلة فى فترة الحداد القومى على أوزيريس نجد ناعسة تقص شعرها وتبيعه، ومن هنا يعتقد الدكتور لويس عوض أن مضمون وقالب الموال وموسيقاه هى بقايا حية من الأدب الوثنى المصرى القديم عُربت وحُورت لتتماشى مع عقيدة التوحيد.
وعندما أعلن ناقدنا من ناحيته وفاة الشعر العربى القديم بعد ظهور أشعار أبو القاسم الشابى ومحمود حسن إسماعيل وغيرهما, كتب عدة قصائد نشرها فى ديوان بعنوان بلوتو لاند بدت فيه مكونات ثقافته المصرية القديمة. ثلاثة رموا عصا التسيار ذات أصيل فى حمى الأهرام / يا طيبة من كنف للسارى / مازال موئلا على الأيام أولهم على جواد أبلق / دعاه نور الحق والهداية راكبه يأمن شر الزلق مستوثقا لا يخطئ الرماية.

إلا أنه كان يؤمن بأن العامية هى لغة الشعر الحقيقية : نينى على البرانس، قاعدة تغزل / بينى وبينها عسكر الألمان وماما عند شط النيل بتغسل / بينى وبينها فيلق الطليان.

الراهب والثائر

ولا يزال ناقدنا على الدرب يسير, ولكن هذه المرة تعتلى مسرحيته «الراهب» خشبة ويرتدى مسوح الرهبان ويكتب المسرحية طبقا للقواعد الكلاسيكية. فهى صراع بين الحب والواجب أو الخير والشر من خلال الراقصة الماجنة مارتا التى تابت وعرفت طريق الهدى ودافعت عن وطنها من عسف الرومان، وعلى الجانب الآخر نجد الراهب الثائر أبا نوفر المنتمى إلى الحركة الوطنية لم يسلم من الزلل عندما خالف البطريرك وأحب مارتا. كما أن هناك رواية واحدة تدعى العنقاء أو تاريخ حسن مفتاح، كتبها فى لحظة حرجة فى تاريخ مصر المعاصر حفلت بسلسلة متصلة من الاغتيالات السياسية نفذتها جماعات سرية تتراوح ما بين اليمين واليسار هذه الأجواء انعكست على الرواية البطل والمضمون فهى تبدأ بانتحار فؤاد منقريوس صديق بطل الرواية حسن مفتاح الذى ينتمى إلى إحدي الجمعيات السرية اليسارية فهو يعيش حالة من عدم الاستقرار والخواء العاطفى ففى حين أنه يرتبط بفتاة ولكنه لا يستطيع الزواج منها لأنها لا تحتمل تبعة العمل السياسي، والبطل يرفض الانجراف نحو هوة العنف الذي انتهجته الجماعات السرية وكان يحلم باتحادها للوقوف صفا واحدا فى وجه الإنجليز والسراى. وتبقى روح لويس عوض بين دفات كتبه التى يقول فى أحدها: النقد ليس مجرد تعقيب على الأعمال الأدبية وإنما إشاعة تيار من الأفكار الصادقة الجديدة فى المجتمع التى يمكن أن تغنى عمل الأديب فتجعله أثقل فى الوزن وأقدر على التأثير فى الناس.

المصدر: الاهرام

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على لويس عوض:مذكرات طالب حلم

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
53537

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة