أرض البشر
يعيش البشر اليوم حالة من الخوف «المزمن»، ويرون المستقبل غالباً بكثير من التشاؤم، وكأن العالم يذهب سريعاً نحو نهايته. هذا وليس التهديد البيئي سوى أحد المخاطر الكبرى التي ترسم صورة قاتمة للمستقبل، فهناك مخاطر الإشعاعات النووية والحروب التي يتم فيها «هذه المرّة» استخدام أسلحة الدمار الشامل، وتضاف مجموعة الأخطار التي يتكرر الحديث عنها التي ستترتب على الحضارة الصناعية.
في مواجهة «إيديولوجية الرعب» السائدة والخوف من نهاية مأساوية للعالم يقدّم عالم الاجتماع الفرنسي جيرالد برونير كتاباً تحت عنوان «أرض البشر»، الذي يؤكّد فيه على أهمية اكتساب ذهنية «المخاطرة»، دون الوقوع في فخ الرعب من الأخطار. ذلك على خلفية قاعدة أساسية مفادها أن «المخاطرة الأكبر» هي عدم اللجوء إلى المخاطرة أبداً.
تجدر الإشارة منذ البداية أن مؤلف هذا الكتاب لا ينكر حقيقة المخاطر التي يواجهها العالم اليوم. ولا يبدي أية شكوك حول المآسي التي قد تترتب على «الأفعال التكنولوجية غير المدروسة بعناية». لكن بالمقابل هنا أيضاً يشرح أنه لا بدّ للبشر من إيجاد الحلول التكنولوجية المناسبة من أجل تأمين سبل البقاء.
ويذهب المؤلف أبعد في نفس النهج وصولاً إلى التأكيد أن «تجريم الحاضر يعني بالضرورة جعل المستقبل مشرّباً بالتشاؤم». من هنا يتم التأكيد على ضرورة أن لا تشكّل إيديولوجية الخوف كابحاً يمنع القيام بأية مبادرة. ذلك على أساس أن أي فعل جريء ستكون له آثاره السلبية على الوسط المحيط بنا.
ويضيف أن مثل هذا الخوف «جرى استخدامه كأداة» بيد أولئك الذين يطالبون بتقليص النمو الاقتصادي بشكل مدروس. عن هؤلاء يكتب المؤلف: «إن العديد منهم يرون أنه سينبغي على البلدان الغربية أن تتخذ سريعاً جداً تقليصاً كبيراً لاقتصادها وتقليصاً ليس أقل من ذلك لاستهلاكها بصورة عامّة». ووصولاً إلى ما عبّر عنه الاقتصادي الإنجليزي تيم جاكسون بالازدهار بدون النمو.
مثل هذا التقليص يتم دفعه أحياناً، كما يشير المؤلف، إلى حدود الامتناع الكامل عن الفعل. ولا يتردد جيرالد برونير، مؤلف هذا الكتاب، في التأكيد على خطورة مثل هذا الطرح. ذلك أن البشر لا يتصورون اليوم مدى «خطورة النتائج المترتبة على عدم فعل أي شيء».
هذا مع تحديد القول «النتائج بالنسبة لنا أو بالنسبة للأجيال القادمة». تجدر الإشارة أن المؤلف يركّز في هذا السياق على أهمية الاستمرار في البحث العلمي والتكنولوجي من أجل إمكانية الإجابة على تهديدات مطروحة جدياً على البشر اليوم، وأكثر في الغد.
من الأفكار الأساسية الكثيرة التي تتردد في تحليلات هذا الكتاب وتمثّل عناوين فيه تلك التي تخص تاريخ نهاية العالم، هذه النهاية التي يصفها القائلون بها أنها «واقعة لا محالة»؛ ونظرية المؤامرة، التي تتبنّاها قلّة قليلة من الناس ولكنها تجد رواجاً كبيراً، حيث يحاول المؤلف البرهان كيف أن مجموعات هامشية تتوصّل تدريجياً إلى فرض وجهات نظرها في سوق الأفكار».
الوجه الآخر للعيش في براثن الخوف يحدده المؤلف بعدم القيام بـمهمّة مصيرية بالنسبة للبشر هي «ضرورة بناء تاريخ جديد لمستقبلهم المشترك».
إن المؤلف يكرر القول بأشكال مختلفة على مدى تحليلات هذا الكتاب أن هناك خطراً كبيراً من تسليط الإحساس بالخوف على سلوكيات البشر وبالتالي، وضع أبسط حركات البشر تحت الرقابة، مما يعني قتل روح المبادرة لديهم وأكثر من ذلك إنهاء «حس المخاطرة».
المؤلف في سطور
جيرالد برونير هو أستاذ علم الاجتماع في جامعات باريس. أولى اهتمامه الرئيسي لدراسة النتائج الاجتماعية لأنماط التفكير الجماعي في مختلف المجتمعات، قدّم العديد من المؤلفات بينها: «مبدأ الحذر المثير للقلق»، و«ديمقراطية غير المؤهّلين».
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!