الخميس 28/03/2024 04:39:33 م القاهرة
قرني
احتفلت ساقية عبدالمنعم الصاوي، بالتعاون مع منظمة العودة إلى فلسطين، بالذكرى السادسة على رحيل شاعر المقاومة الفلسطينية «محمود درويش»، شارك بها مجموعة من شباب الشعراء الذين أعادو روح «درويش» للحياة، بإلقاء أشعاره التي الهبت وجدان الحضور، ومن هؤلاء الشباب «أيمن مسعود، أحمد عبد الجواد، سماح ناجح».
فيما قدم الشاعر «محمود قرني»، شاهدة في رثاء «درويش» بعنوان “هوية مجرحة وموت مؤجل”، قال فيها: كان لافتًا ذلك الوصف الذي اطلقه ناقد بريطاني يرثي محمود درويش عندما قال «أنه بدا كلاسيكي ثم تحول إلى شاعر شعبي»، وظني أن النظرة الغالبة في النقد العربي لن تقارب مثل هذا المعنى، رغم دقته وشده صوابه، فـ«درويش» تحول من مجرد شاعر فصيح يرتبط بقوة حقبة الحداثة العربية ويقف على رأسها إلى كونه شاعر للضمير العام وفي الضمير العام، كان قائدًا عندما يتكلم عن الثورة، وكان عاشقًا يهرف كصبي بين الأغرار عندما يتكلم عن العشق، ومطرودًا ومطاردًا واثمًا عندما ينشد العدالة في فضاء الله الذي يعج بالمظالم.
فقد شغلته اشجار الزيتون والأصابع الخشنة التي تجزه كل يوم تحت نيران الاحتلال، بأكثر مما شغلته الأيدي الناعمة للزعماء واشباه الزعماء هولاء الذين يطلبون إليه التماس الاعزار، وغفران الخيانات ولا ينسون في غمرة ذلك أن يطلبوه منه عرائض المديح، تلك الخطية التي لم يقتفرها قلمه.
إن قصة تحول محمود درويش إلى شاعر شعبي، هي نفسها قصة الصراع التي خاضها الشعراء المنذورن لاقدار صعبة عبر التاريخ بين واجبهم تجاة الفن وواجبهم تجاه الإنسان، وقليلًا هم الشعراء الذين استطاعوا أن يقبضوا على ذلك الخيط السحري والمستيحل، الذي يمكن له فشك الشفرة بين فنه وبين الناس.
كان «درويش» صناعة المستقبل بامتياز، كان وعيه بتحديث نصه لا يفتر بل كان يتعامل مع كل نص أنه نصه الأول، وقيمته الحقيقة تكمن في قدرته على الإبقاء على شعبية نصة دون أن يكون ذلك على نفقة تجاوزه النوعي، لذلك فهو نص زمني بشعبيته ونص لازمني بحدثة المستقبلي المتجددد دائمًا، وعلينا أن نتذكر دائمًا أن «درويش» لم يكن يملك تلك الجراة التي من خلالها يصدر الأحكام النهائية على فساد ذوق العامة، فالرجل لم يبحث عن وصاية يتعدى خصومه امتلاكها عبر نضالهم من أجل تحرير القبيلة الناطقه بالعربية ولا أظن أي شاعر يمكنه أن يوفر في هذا العالم صك الحرية حتى لنفسه.
إذن لماذا نطالب «دوريش» بما نعتق أنفسنا من أسره، إن الحرية التي ينشدها «درويش» ليس التي اغتلسها مثقفون من فضلات موائد الحداثة، فقد كان الرجل يدرك أن عصر الأنوار دشن طريق الموت هنا في الوقت الذي دشه فيه طريق الحرية هناك، ومع ذلك ظل حديث «درويش» عن الهوية المجرحة مسار للتندر لدى قطاع لا بأس به ممن يرتدون قبعة المحتل، بينما يتحدثون بلسان عربي مبين أن الهوية التي ارقت «درويش» هي تلك الهوية التي تتشكل بمحازاة المركزية المنتجة للمعرفة والمال والسلام، بمعني أن الهوية التي يسعى الفن لانجازها تختلف عن تلك الهوية التي يسعي السياسي إليها من تأليف أو تألفيق أوصارها، ولأن «درويش» لم يكن شاعرًا متهتكًا، ظل يؤمن بخصوصية جماعته الإنسانية.
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
جميع الحقوق محفوظة لموقع طريق الأخبار 2009 - 2021 ©
موقع طريق الأخبار غير مسؤول عن الأخبار والتعليقات المنشورة في الموقع وكذلك التي ترد من مصادر أخرى.
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!