عند دخول العشر الأواخر من رمضان تبدأ مظاهر التوديع لهذا الشهر الفضيل بكلمات بين الناس يحفها الحزن والالم لفراقه وإحساسهم بالوحشة لغيابه، وافتقادهم لأجوائه، أشهرها "لا أوحش الله منك يا شهر الصيام".
واذا كان الصائمون وهم يلتمسون فى العشر الاواخر ليلة القدر لعظمتها وانفرادها بأكبر فضل، حيث نزل فيها القرآن والزيادة فى العبادة بصلاة التهجد، فإنهم يودعون تلك الأيام بما يسمى التوحيش.
وكلمة التوحيش من الوحشة التي يشعر بها الصائم لمفارقة شهر رمضان.
ونتيجة للتكنولوجيا الحديثة صار الناس يسهرون حتى بزوغ الفجر في البيوت والمقاهي،وبالتالي توارت المظاهر القديمة وأصبحت تراثا يحكي عنه الكبار للصغار الذين يشاهدون بعضه في بعض المسلسلات الرمضانية.
ومع ضجيج المسلسلات تصل دقات المسحراتى الذى يقاوم انقراض مهنته إلى المسامع على استحياء، حتى بات بعض الشباب يتندر على ذلك ويطلب من المسحراتي أن يوقظ الناس قبل الافطار لأنهم ينامون في النهار حتى قبيل الفطور.
مع ذلك لايزال المسحراتي يقاوم الزمان ونسمع منه فى العشر الأواخر كلمات التوحيش: "لا أوحش الله منك يا شهر الصيام/ لا أوحش الله منك يا شهر القيام/ لا أوحش الله منك يا شهر الولائم/ لا أوحش الله منك يا شهر العزائم/ لا أوحش الله منك يا شهر الكرم والجود".
ومن حكاوي ذلك الزمن المندثر أن الفنان عبده الحامولي كان حريصا على الافطار بالقرب من مسجد الحسين ثم يتسامر مع أصدقائه في احد المقاهي البلدية, وعقب اذان العشاء يصعد الي منارة جامع مولانا الحسين وينشد من هذه التسابيح أو التواحيش، وكانت العادة قد جرت في ذلك الزمان أن تؤدى من أعلى مآذن القاهرة، فكانت الساحة الممتدة أمام الجامع والمشربيات والشرفات تحتشد بالناس، فتحلق الأرواح في سماء الجلال مستمتعين بفن الحامولي وصوته الفريد ينساب الي المسامع بكل الوقار من خشية الله وكل الرجاء في فضله ومغفرته فتطرب القلوب ويأخذ بالألباب الي عالم ليس من عالمنا!
ويحكى الكاتب محمدرجب السامرائى فى كتاب "رمضان في الحضارة العربية الاسلامية"، أن التوحيش توارثه الأبناء من الأجداد، مشيرا الى مخطوطة في مكتبه "الاسكوريال" في اسبانيا تحمل عنوان: "وداع رمضان المعظم" لإبن الجوزي المتوفى سنة 1200م، ولذا يمكن القول بظهور تلك العادة على الأقل منذ القرن السادس للهجرة.
كذلك جرت العادة في مصر مثل اى بلد عربى على إنشاد القصائد التي تبين فضائل رمضان من مآذن المساجد خلال العشر الأخيرة منه توديعا له.
وان كان البعض لا يفضل ذاك باعتبارها بدعة، غير ان البعض الاخر يقول انها بدعة حسنة.. ووسط هذا الجدل تظل وحشة رمضان فى نفوس الصائمين وكلمات المنشدين ترن فى الآذان: "لا أوحش الله منك يا شهر الكرم والجود".
أضف هذا الخبر إلى موقعك:
إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!