الاستبداد وإفرازاته
يعرض كتاب «لماذا العرب ليسوا أحراراً؟»، لمؤلفه مصطفى صفوان، ترجمة صفوان حجازي، لبنى الاستبداد التي أخلص رؤساء عرب لآلياتها السياسية والاجتماعية والثقافية واللغوية. وعملوا، من خلالها، على ترسيخ سلطتهم القمعية وممارسة التعسف والظلم والقهر بحق الشعوب التي أخضعوها، مبتكرين أساليب وطرقاً عدة، ومبتدعين وسائل جهنميّة تبيح المحظور وتصادر حقوق الإنسان وتهدر كرامته.
يكشف صفوان في كتابه بشاعة الصور التي خلفها الاستبداد. ويقرأ في تلاوينها، كما يطرح آليات التغيير والخطوات الموجبة لذلك، مستفيداً من مخزون فكري وفلسفي وتعمق في التاريخ وأحداثه.
يؤكد صفوان تأصل بنية الاستبداد وترسخها، قرونا طويلة، خلال تحالف ثلاثي، قوامه: «التجريم والتحريم والتأثيم»، بهدف إخضاع العامة وتنشئتها على القبول بالطاعة، قولاً وفعلاً، لتتحول إلى عادة تألفها ولا ترى فيها عيباً أو حرجاً.
يلفت المؤلف إلى أن الاستبداد يبلغ مرتبته العليا، من خلال التحريم الديني الذي يتحكم في النفوس ويخضعها لسلطانه. ويتابع: «.. ويتمم التأثيم عمل التحريم والتجريم، من خلال حكم العصبيات التي تنتج المستبدين». وهذه تقوم على سياسة «اخضع ترضع». فالولاء يضمن لصاحبه المنفعة والحماية. أما الخروج عنه، فيعرضه للنبذ والحرمان، وهذا إذا لم يلق الطرد ويحلل إهدار دمه.
لا يقتصر انسحاب ثلاثية: التجريم والتأثيم والتحريم، ناحية بعينها، تتجاوزها، بل إنها تعرف انتشاراً وتوالداً في البيت والمدرسة والمسجد والعمل وفي كل الأنشطة العامة، نظراً إلى ديمومة هيمنتها. وهذا السلوك المتوارث يفرز مسلمات مطلقة، تعزّز سلطة الحاكم المطلقة.وكذا رفعه إلى مرتبة يكون فيها فوق البشر. ويترافق ذلك مع «تحالف الاستبداد السياسي والأصوليات الدينية والعصبيات ..وسواها، في السيطرة على البلاد ». وينوه المؤلف بأثينا، كمنبت لأولى الديمقراطيات في أوروبا.
ونجد أن المؤلف يركز على بحث هذه القضية من مختلف الجوانب، ليخلص عبر ابحاثه المعمقة، إلى أن التحرير في هذا الصدد غير ممكن، إلا إذا ترافق مع تحرر الإنسان أولاً، من المكبوتات التي تمارس عليه القهر وتتحكم في سلوكه وكيانه. فهو حينها فقط يصبح قادراً على استرداد ذاته والانفتاح على الآخر، ومن ثم محاورته والاعتراف بوجوده.
ويقدم صفوان عرضا للعوامل التي أسهمت في نهضة الغرب، بعد تلاحق الثورات الصناعية والتجارية والعلمية والثقافية، وصولاً إلى التحرر من سلطة رجال الدين.
ويتوقف في الفصل الأخير من كتابه عند ما آل إليه الربيع العربي.
المؤلف في سطور
مصطفى صفوان. باحث ومحلل نفسي فرنسي من أصل مصري. قدم مجموعة أبحاث ومؤلفات، في مختلف المجالات الاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية.
الكتاب: لماذا العرب ليسوا أحراراً؟
تأليف: مصطفى صفوان
الناشر: دار الساقي- بيروت 2014
الصفحات: 245 صفحة
القطع: المتوسط
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!